10 Jul 2011

كي نعرف، كي لاننسى: يحدث في دوما

-1-
أم حمزة
يحدث صدفة أن يقتل طفل دوماني في اليوم الذي  تلا (جمعة أطفال الحرية)، ويحدث صدفة أن يكون اسمه حمزة. يحدث صدفة  أن يقف الطفل ابن السابعة على الرصيف الشارع العام في نهاية الحارة الضيقة منتظرا أخاه الذي ذهب إلى الدكان البعيد ليشتري له لعبته الـ (يويو(،  وتنطلق سيارة مسرعة باتجاهه فتقذف به بعيدا ليصطدم الرأس الصغير بالأرض. يلحق احدهم بالسيارة المسرعة فتقف  ويخرج منها عنصران يصوبان الكلاشنكوف إلى رأسه  ويهددونه ويمضون! يدخل الطفل في غيبوبة لمدة أربعة أيام ثم يموت.
الوالد الذي عمل وتزوج في إحدى دول الخليج ولم يسأل عن ابنيه وزوجته منذ ثمانية أشهر يصل فجأة إلى المستشفى فتدخل صدفة كاميرا الدنيا الفضائية لتصور تصريحا للوالد  بأن ما حصل لابنه كان قضاء وقدرا ثم يمضي للمطار دون أن يقدم العزاء للأم المكلومة !  وعلى عكس الأمهات اللواتي قد يحلمن بكابوس ضياع الضنى، فيستفقن مرعوبات يبحثن عن أولادهن وعندما يجدنهن نائمين في أسرتهم يحضنهم شاكرات السماء لأنه كان مجرد كابوس، أم حمزة اليوم على عكسهن تشتهي نوما قد يهديها فرصة ضم ابنها الصغير من جديد ولا تسأل مثلنا لماذا تحدث هذه الصدف كثيرا في بلادي.

-2-
أبو محمد
يحمل أبو محمد ابنه الذي أصيب بطلقتين في بطنه إلى المستشفى. يجاهد الوالد كي يرى طريقه وقد غشا الدمع الكثيف عيناه وداهمه السعال حد الاختناق جراء استنشاقه الغازات المسيلة للدموع.  يقول له احدهم بأنهم قد يعتقلون الجرحى من المستشفى فيحمل ابنه عائدا لكن نزيف المصاب يزداد فيعود أدراجه للمستشفى.  عند مدخل المستشفى يتخيل أبو محمد صورة اعتقال الجرحى فيخرج من المستشفى من جديد.  ينظر لابنه وللدماء النازفة على أثر خطواته جيئة وذهابا، ويقرر بعد لأي أن ابنا جريحا معتقلا أفضل بكثير من ابن قتيل. يمضي إلى غرفة الإسعاف ويرمي ابنه الغائب عن الوعي على سرير أمام الأطباء.  لا يوفر الأطباء  جهدا في إنقاذه، لكن عشرات الجنود يقتحمون المستشفى عند المساء فيخرجون الجرحى إلى سيارات يرمونهم فيها غير مكترثين بتوسلات الآباء والأمهات ولا بكلمات الأطباء الذين نالوا عقابهم في اليوم التالي.  بعد أيام يعود الابن الجريح المعتقل ميتا في تابوت مغلق ومحروس برجال مسلحين..!

-3-
إبراهيم المبيض
 استشهد في 1 نيسان (الجمعة العظيمة) من مواليد دوما 1972، أب لخمسة أطفال وسادسهم ولد بعد شهر من استشهاده.  إبراهيم صاحب محل تجاري صغير عانى كثيرا من فساد إحدى عائلات المنطقة التي لديها علاقات مباشرة بالقصر. كانوا يشترون الحاجيات منه ولا يدفعون ثمنها، عند مناقشتهم يفتعلون شجارا معه فيأتي رجال الشرطة لأخذهم للمخفر، ثم يطلق سراحهم ويبقى هو سجينا.  في بداية الحراك كان يناقش زوجته بأنه يريد أن يشارك بالتظاهرات من اجل إسقاط الفساد فقط فهو غير مهتم بالسياسة و"لا مصلحة له فيها" كما كان يقول،  واقسم لها بأنه سيكون أول من يحمل على الأكتاف إن خرجت تظاهرات في البلدة . لم يهتف إبراهيم ولم يسقط النظام لكنه بعد أن شاهد الشباب في بلدته وقد انطرحوا أرضا في الساحة نتيجة استنشاقهم الغاز المسيل للدموع،  فتح محله واحضر زجاجات الكولا وبدأ يغسل وجوه الشباب حين ثقبت رصاصة قناص قلبه واردته قتيلا، وكان أول شهيد يحمل على الأكتاف في رتل الشهداء ذلك اليوم، كما تنبأ لزوجته .

-4-
أمهات كثيرات ينتظرن أبنائهم المفقودين .. آلاف المفقودين اللذين لا يعرف عنهم شيئا في سوريا.  في دوما وحدها هناك حوالي التسعين مفقودا حتى الآن بينهم عدد من الأطفال.. طفلين من عائلة الدرة أخذوهما من أمهما عنوة. قاتلت الأم مثل لبوه دفاعا عن ولداها لكنهم رموها بعيدا وأخذوهما بعد مشاركتهما في جمعة أطفال الحرية. في ذلك اليوم أعتقل الكثير من الأطفال كما يقول أهل البلدة  ومنهم من لا يعرف عنهم شيئا حتى تاريخه .
"طفل في احد فروع التحقيق يمسح أرضية الكاريدورات طوال النهار يستطيع بصعوبة بالغة أن يهمس في أذن أحد المعتقلين الذين أفرج عنهم: " وصلوا لأمي أني هنا" "

 _________________________________
منقول من صفحة: نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية

No comments:

Post a Comment