31 Dec 2011

كهنة المعبد ينفخون على الجمر


شيئاً فشيئاً تتحول الأحداث في العالم العربي، وفي سوريا تحديداً، إلى شغلنا الشاغل لِما لها من تأثيرات على مستقبل المجتمعات ومحاكاة مباشرة لقضايا الفرد وقناعاته. فمن رحم الاحتجاجات تتولد الأسئلة؛ لماذا؟ وكيف؟ وإلى أين؟
أمام هذا التحرك الشعبي الواسع المنقطع النظير، الذي كسر حاجز الخوف وطالَب بالتغيير، بكل جرأة، وطرح مواقف دأب النظام لعقود على قمعها، نتساءل عن سبب الإصرار على تغييب النهج الديمقراطي من منظومة الحكم؟ وكيف يغذي الرؤساء رغبتهم بالجلوس الأبدي على كراسي العروش؟ وهل كان بإمكانهم تجنب قيامة الشعوب؟ وإلى أين تسير بنا مركبة التغيير وبأية أحلام وبأية طموحات نحمّلها؟

إن تهميش الحريات وتغييب الديمقراطية ومصادرة دور مؤسسات المجتمع المدني.. تتيح للرؤساء إمكانية احتكار السلطة إلى أجل غير مسمّى؛ تُعَدَّل الدساتير وتُفْرَضُ القوانين العرفية وباسم المصلحة الوطنية تُوَرَّثُ السلطة من الأب إلى الابن وتُنْهَبُ البلد باسم الروح القُدُس. فتجد المنتفعين والمستفيدين من بطانة فخامته يزيّنون له أنه سيّد زمانه وأن "الوطن العربي صغير عليه ويجب أن يحكم العالم"!! وبذلك يستمرون في "اللهط" و"الشفط". هؤلاء الكهنة غي معابد فرعون لا يتوانون عن منحه الألقاب التفخيمية والتعظيمية والرياسية وشبه الألوهية حتى يُتْخَمَ بجنون العظمة ويطرب للدجل والنفاق ويغض الطرف عن نهبهم للمال العام؛ بل ويحميهم في كثير من الأحيان ليزداد نفوذهم وبطشهم الواقع على المواطن المظلوم الذي لن يبقى، للأبد، مكتفياً بالتذمر ومنتحباً بصمت.

في مقابل تعاظم الدعم الذي تحظى به شرعية مطالب الشعب، يدّعي النظام أن هذه المطالب تشكل أساس سياسته الداخلية منذ سنوات، لولا المعيقات الخارجية التي حالت دون تحقيقها.. واليوم شاءت الظروف بأن يتمكن الناطقون الرسميون من إطلاق الوعود بالاستجابة لمطالب المظاهرات التي تعم شوارع المدن والمحافظات، على الرغم من قمعها بالهراوات والرصاص الحيّ والتعتيم عليها إعلامياً، وفي ذات الوقت يحتفظ النظام لنفسه بالحق في تعطيل المدارس ومنح الإجازات للموظفين بغرض تسيير مسيرا تأييد تتم حمايتها من "المجموعات المندسة"! - التي أطلقت النار على المتظاهرين في درعا ودوما والبيضا ... – ويغطيها الإعلام الرسمي للنظام الذي يعمل، بدون كلل أو ملل، على تعظيم وتبجيل الرئيس، واضعاً أخباره اليومية في صدارة النشرات الرئيسية على الرغم من كل ما يعصف بالبلد من أحداث كبيرة وهامة مثل سفك دماء المتظاهرين الذين هتفوا للحرية. هذا الإعلام هو نفسه الذي كان قد أعلن عن سقوط القنيطرة عام 1967 قبل اثنتين وعشرين ساعة من حدوث ذلك، في الوقت الذي كان فيه الجنود الأبطال، حماة الديار، لا يزالون في الخطوط الأمامية للجبهة.

إن عدم اكتراث الرئيس بتململ وتذمّر الشعب من تصرفات كهنة معبده، كان بمثابة النفخ على الجمر تحت الرماد... فأعمى الرماد العيون وأطلقت الجمرات لهيبها وباتت محاولات تجنُّب قيامة الشعب متأخرةً. وإذا كان الكهنة قد جلبوا لفرعون الويل فإن "الشبّيحة" سيجلبون الدمار.

لعقود طويلة سيطر الخوف من المجهول على جيل كامل؛ هذا الخوف الذي تبدّت انعكاساته للعيان كشكل من الإبادة لجيل كان يجب أن يكون عماد مستقبل الوطن في ظروف طبيعية، وها هو الآن ينتفض ليحطم جدران الخوف ويواجه المجهول بمطالب بحضارية تضمن تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي، عبر إطلاق الحريات العامة، وتُرسِّخ أسس الديمقراطية وتعالج حالات الفقر المدقع وتفاقم البطالة وأسباب التفكك الأسري وظواهر الغوغائية الاجتماعية، ويَعِدُ بمستقبل يحفظ فيه حق الشعب بالمشاركة في صنع القرار السياسي ويضمن له دوره في التعامل مع قضاياه الوطنية.

إن التغيير قادم لا محالة.. شاء من شاء وأبى من أبى.. لكن السؤال المطروح حالياً عن حجم الضريبة التي ستُدفع مقابل ذلك.

أمامنا الآن في سوريا – شعباً وقيادة سياسية – فرصة ذهبية كي نحقق التغيير والتحول السلمي إلى نظام ديمقراطي. ستشهد
سوريا في العام الحالي انتخابات برلمانية وبلدية، وفي العام 2014 انتخابات رئاسية، ما يستدعي التحرك الفوري لصياغة حزمة قوانين جديدة تضمن انتخابات حرة ونزيهة، وتخفض مدة الدورة الرئاسية وتحددها بولايتين كحدّ أقصى، وتتيح لجميع فئات المجتمع فرصة المشاركة في بناء وطنهم.

وئام عماشة
معتقل جلبوع
13.04.2011

No comments:

Post a Comment